الأحد، 9 ديسمبر 2018

ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960




من أهم محطات تاريخ الجزائر التي تستحق كل الإهتمام والتقدير تعود علينا قريبا ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي شكلت منعرجا حاسما في مسار الثورة التحريرية، لتتدخل وقائع تلك الأحداث الدامية التي نقلت الكفاح المسلح من الجبال إلى شوارع المدن الكبرى، وتذكرنا بحقد وغطرسة المعمرين وأتباع مقولة أن الجزائر فرنسية، الذين مارسوا قمعا مضاعفا ضد الوطنيين الأبرياء .


لقد كانت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 من بين الحلقات الأخيرة، لملحمة نوفمبر، التي كسرت شوكة الاستعمار، وكذبت أسطورة الجزائر فرنسية، ودفعت إلى تدويل الثورة الجزائرية وأكسبتها المزيد من التعاطف والتضامن الدولي . 

وتعود علينا هذه الذكرى الفذة اليوم، لنفتح من جديد سجل الانجازات الحافلة للشعب الجزائري الذي جسد روح التضامن والوحدة وعبر للعالم اجمع عن مطلبه السامي والشرعي المتمثل في حريته واستقلال وطنه .


كما عبرت تلك المظاهرات الجماهيرية، عن التحام كافة شرائح الشعب الجزائري التي أكدت صدق رسالتها، وأحقية المطلب الشعبي في افتكاك الحرية .


فبفضل أبناء الجزائر، أدركت فرنسا الاستعمارية عمق القطيعة معها وتعزز صوت الثورة التحريرية في المحافل الدولية، وازداد مناصروها في العالم، بعد أن تجلت الصورة الحقيقية التي ظلت تغيبها فرنسا الاستعمارية عن تلاحم الشعب الجزائري لنصرة قضيته التي رسمها بيان أول نوفمبر .

ففي 11 ديسمبر 1960 خرج الجزائريون في مظاهرة سلمية حاشدة لتأكيد مبدأ تقرير المصير للشعب الجزائري ضد سياسة ديغول الرامية إلى الإبقاء على الجزائر جزءا لا يتجزأ من فرنسا، وضد موقف المعمرين الفرنسيين الذين ظلوا يحلمون بفكرة الجزائر فرنسية·
وعملت جبهة التحرير الوطني على حشد قوة شعبية هائلة رافعة شعار الجزائر مسلمة مستقلة ردا على سياسة الجنرال ديغول وتصديا لشعارات الغاصبين فجاء زحف المظاهرات الشعبية في أحياء الجزائر العاصمة وبالمدن الجزائرية الكبرى يوم 11 ديسمبر 1960 ليعبر عن وحدة الوطن والتفاف الشعب حول الثورة، مطالبا بالاستقلال التام . وضمت الحشود مختلف الشرائح التي تجمعت في الساحات العامة عبر المدن الجزائرية كلها، ففي العاصمة عرفت ساحة الورشات ببلكور وشارع ديديوش مراد، كثافة شعبية متماسكة مجندة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال، فحاولت القوات الاستعمارية والمعمرون التصدي لها، فتوزعت المظاهرات عبر مختلف الأحياء الشعبية، منها بلكور والمدنية وباب الوادي ، والحراش، وبئر مراد ريس والقبة وبئر خادم وديار السعادة والقصبة ووادي قريش، كما توسعت لتشمل العديد من المدن الجزائرية كوهران، الشلف، البليدة، قسنطينة، عنابة وغيرها من المدن حيث حمل الشعب الجزائري العلم الوطني والشعارات المطالبة بالاستقلال وامتدت المظاهرات لأزيد من أسبوع .
ومع تدخل القوات الاستعمارية في عمق الأحياء والقمع الذي مارسته على المتظاهرين بتواطؤ من المعمرين، سقط العديد من الشهداء ، غير أن صدى الأحداث أثار حالة من الارتباك في صفوف المستعمر، وأثبتت مدى إصرار الشعب الجزائري على افتكاك السيادة المسلوبة وبسالته في الدفاع عن أرضه الطاهرة وتمسكه بكل شبر فيها مطالبا بحقه في الإستقلال الوطني . 

كشفت المظاهرات الشعبية يوم 11 ديسمبر 1960 للعالم حقيقة الاستعمار الفرنسي الإجرامية وفضاعته، وعبرت عن تلاحم الشعب الجزائري وتماسكه وتجنيده وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني ورفضه لسياسة ديغول . 


أكسبت هذه الأحداث جبهة التحرير الوطني دعما دوليا واسعا، حيث اقتنعت هيئة الأمم المتحدة أخيرا بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها وصوتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية ورفضت المبررات الفرنسية التي كانت تهدف إلى تضليل الرأي العام العالمي .


ومع اتساع دائرة التضامن مع الشعب الجزائري عبر العالم خاصة في العالم العربي وحتى في فرنسا نفسها ، خرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات تأييد، كان لها تأثير على الرأي العام العالمي و دخلت فرنسا في نفق من الصراعات الداخلية وتعرضت إلى عزلة دولية بضغط من الشعوب، الأمر الذي أجبر ديغول على الدخول في مفاوضات مع جبهة التحرير الوطني الممثل الشرعي الوحيد للشعب الجزائري ، وفي 20 ديسمبر قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإصدار لائحة اعترفت فيها بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير، وبذلك انقشعت سحب الأوهام، وتأكد للعالم أن جبهة التحرير الوطني هي الممثل الشرعي والوحيد للشعبالجزائري مما أعطى دفعا لمسار المفاوضات الختامية، التي أفضت إلى استقلال الجزائر في 05 جويلية 1962 .

فكان لتلك المظاهرات التي كرست استمرارية الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، أن عززت بذلك مكانة الجزائر التي مضت بعزيمة وثبات في مسيرة بناء الدولة الوطنية الحديثة التي ينعم فيها أبناؤها بكرامة وعزة وسيادة . والعيش في كنف السلم والتصالح مع الذات ومع الوطن والإسهام في إستكمال مسيرة البناء الوطني التي رسمت معالمها مبادئ ثورة نوفمبر المجيدة  .
رحم الله جميع شهدائنا الأبرار وأسكنهم فسيح جناته .
- عن جريدة المساء -


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الإحتفالات بعيد الإستقلال والشباب والذكرى المزدوجة لليوم الوطني للمجاهد

طبقا لتعليمة السيد والي ولاية الجلفة رقم 1008 بتاريخ 2020/06/14 والمتعلقة بالإحتفالات المخلدة لذكرى 58 لعيد الإستقلال والشباب والذكرى المزدو...